فصل: (كِتَابُ الصَّوْمِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ):

هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ كَمَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ كَمَا فِي حَجِّ الْبَيْتِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ أَرْفَعُ دَرَجَةً مِنْهَا لِثُبُوتِهَا بِالْقُرْآنِ فَقُدِّمَتْ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا الْبَابَ عَقِيبَ الصَّوْمِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الطَّبِيعِيِّ إذْ هِيَ بَعْدَ الصَّوْمِ طَبْعًا وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ هُنَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ كَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الصَّوْمِ جَائِزٌ عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ ثُمَّ هِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَهُ وَهِيَ عِنْدَهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ يَعْنِي أَنَّهَا حَقُّ الْفُقَرَاءِ حَتَّى أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِثْلَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ) أَيْ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا ذُكِرَ الْوُجُوبِ هُنَا أُرِيدَ بِهِ كَوْنُهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ وَاجِبَاتُ الْإِسْلَامِ سَبْعَةٌ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَنَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْوَتْرُ وَالْأُضْحِيَّةُ وَالْعُمْرَةُ وَخِدْمَةُ الْوَالِدَيْنِ وَخِدْمَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) احْتِرَازًا عَنْ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَجْلِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَرْطٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُمَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ لَهُمَا مَالٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا سَبَبُهَا وَهِيَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَصِفَتُهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَشَرْطُهَا وَهِيَ فِي الْإِنْسَانِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْغِنَى وَفِي الْوَقْتِ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَفِي الْوَاجِبِ أَنْ لَا تَنْقُصَ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ وَرُكْنُهَا وَهُوَ أَدَاءُ قَدْرِ الْوَاجِبِ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَحُكْمُهَا وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلُ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْغَنِيُّ وَقَدْرُ الْوَاجِبِ وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ وَمِمَّا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ وَهُوَ مِنْ أَرْبَعَةٍ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَوَقْتُ الْوُجُوبِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى وَمَكَانُ الْأَدَاءِ وَهُوَ مَكَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِمْ مِنْ الْأَوْلَادِ وَالْعَبِيدِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْمَالِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَفِي الزَّكَاةِ الْوَاجِبُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ حَتَّى أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَوْلَى فَاعْتُبِرَ مَكَانُ الْمَوْلَى.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ إذَا كَانَ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَشَرَطَ الشَّيْخُ الْحُرِّيَّةَ بِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ وَالْإِسْلَامِ لِتَقَعَ الصَّدَقَةُ قُرْبَةً وَشَرَطَ الْيَسَارَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَقَدَّرَ الْيَسَارَ بِالنِّصَابِ لِتَقْدِيرِ الْغِنَى فِي الشَّرْعِ بِهِ وَسَوَاءٌ مَلَكَ نِصَابًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ غَيْرِهَا فَضْلًا عَنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ.
قَوْلُهُ: (فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمُسْتَحَقُّ بِهَا كَالْمَعْدُومِ وَكَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَيُعْفَى لَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْ نُسْخَةٍ مِنْ كُلِّ مُصَنَّفٍ لَا غَيْرُ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ نُسْخَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ وَاحِدَةٌ يَسْكُنُهَا وَيَفْضُلُ عَنْ سُكْنَاهُ مِنْهَا مَا يُسَاوِي نِصَابًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وَكَذَا فِي الثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ.
قَوْلُهُ: (يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَعَنْ مَمَالِيكِهِ) لِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَيَعْنِي مَمَالِيكَهُ لِلْخِدْمَةِ وَيُؤَدِّي عَنْ مُدَبَّرِهِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَعَنْ عَبْدِهِ الْمُودَعِ وَالْمَرْهُونِ إذَا كَانَ لَهُ مَا يُوَفِّي الدَّيْنَ وَزِيَادَةُ نِصَابٍ وَيُخْرِجُ عَنْ عَبْدِهِ الْمُؤَجَّرِ وَالْمُعَارِ وَالْمَأْذُونِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَلِي عَلَيْهِ وَيَمُونُهُ وَلَا تَجِبُ عَنْ مَمَالِيكِ هَذَا الْمَأْذُونِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُمْ عَبِيدُ التِّجَارَةِ وَتَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَجْعُولُ مَهْرًا إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِطْرَتُهُ سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ لَا لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا جَازَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ وَلَا عَنْ الْمَأْسُورِ وَلَا عَنْ الْمُسْتَسْعَى لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَبْدُ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِمَجِيءِ يَوْمِ الْفِطْرِ إذَا عَتَقَ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَفِطْرَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤَدِّي عَنْ زَوْجَتِهِ) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلِيَهَا فِي غَيْرِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يَمُونُهَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ كَالْمُدَاوَاةِ وَشَبَهِهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ) بِأَنْ كَانُوا زُمَنَاءَ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَإِنْ أَدَّى عَنْهُمْ أَوْ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ أَجْزَأَهُمْ اسْتِحْسَانًا لِثُبُوتِ الْإِذْنِ عَادَةً ثُمَّ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مَالٌ فَإِنَّ الْأَبَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ فِطْرَتِهِمَا مِنْ مَالِهِمَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِمَا وَيُخْرِجُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَمِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ مَالِهِمَا صَارَا كَالْفَقِيرَيْنِ فَيُخْرِجُ الْأَبُ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجْرِي مَجْرَى الْمُؤْنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَبَ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ ابْنِهِ الْفَقِيرِ فَإِذَا كَانَ غَنِيًّا كَانَتْ فِي مَالِهِ كَنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ خِتَانِهِ فَيُخْرِجُ أَبُوهُمَا أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ جَدُّهُمَا أَوْ وَصِيُّهُ فِطْرَةَ أَنْفُسِهِمَا وَرَقِيقِهِمَا مِنْ مَالِهِمَا.
وَكَذَا الْأُضْحِيَّةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إذَا أَخْرَجَهُمَا الْأَبُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ مَمَالِيكِهِمَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَالنَّفَقَةِ وَيُؤَدِّي عَنْهُمْ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَأَمَّا الْوَلَدُ الْكَبِيرُ الْمَجْنُونُ إذَا كَانَ فَقِيرًا إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا فَفِطْرَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ بَلَغَ مُفِيقًا ثُمَّ جُنَّ فَلَا فِطْرَةَ عَلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا فَقَدْ اسْتَمَرَّتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ وَإِذَا أَفَاقَ فَقَدْ انْقَلَبَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ فِطْرَةُ بَنِي ابْنِهِ إذَا كَانَ أَبُوهُمْ فَقِيرًا أَوْ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَفِي قَاضِي خان لَا يُؤَدِّي عَنْ أَوْلَادِ ابْنِهِ الْمُعْسِرِ إذَا كَانَ حَيًّا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا إذَا كَانَ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ حَيَاتُهُ وَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلُ الْفِطْرَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِنْ كَانَا فِي عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا كَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَقِيلَ إذَا كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا مَجْنُونًا تَجِبُ عَلَى ابْنِهِ فِطْرَتُهُ لِوُجُودِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُخْرِجُ عَنْ مُكَاتَبِهِ) لِقُصُورِ الْمِلْكِ فِيهِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ مِلْكَهُ كَامِلٌ فِيهِمَا بِدَلِيلِ حِلِّ الْوَطْءِ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يُخْرِجُ الْمُكَاتَبُ أَيْضًا عَنْ نَفْسِهِ وَرَقِيقِهِ لِفَقْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ عَنْ نَكْسِهِ وَرَقِيقِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا عَنْ مَمَالِيكِهِ لِلتِّجَارَةِ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الثِّنَى لِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَاجِبَةٌ فِيهِمْ فَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ فِيهِمْ كَانَ فِيهِ تَثْنِيَةُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَوْلَى فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِسَبَبِ مَالٍ وَاحِدٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا ثُنْيَا فِي الصَّدَقَةِ» أَيْ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَمْلِكُ رَقَبَةً كَامِلَةً وَلَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ عَبِيدٌ أَوْ إمَاءٌ بَيْنَهُمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدَيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِي الْخَامِسِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ مَعًا كَانَ وَلَدُهُمَا وَالْجَارِيَةُ أَوْ وَلَدٌ لَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِطْرَةُ الْجَارِيَةِ إجْمَاعًا وَتَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْوَلَدِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِطْرَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَتَبَعَّضُ فَهُوَ ابْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ وَلِهَذَا يَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فِطْرَةٌ وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا مُؤْنَةٌ كَالنَّفَقَةِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعْسَرَ فَهِيَ عَلَى الْآخَرِ بِتَمَامِهَا.
قَوْلُهُ: (وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ) لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَالْمَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَلَا وُجُوبَ أَيْ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا وَالْمَوْلَى كَافِرًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْفِطْرَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجْزِي مِنْ الْبُرِّ إلَّا صَاعٌ كَامِلٌ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقُهَا مِثْلُهَا فِي الْجَوَازِ يَجْزِي مِنْهَا نِصْفُ صَاعٍ وَكَذَا دَقِيقُ الشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ لَا يَجْزِي مِنْهُ إلَّا صَاعٌ كَامِلٌ وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجْزِي مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ لِأَنَّ الْبُرَّ وَالزَّبِيبَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ فَإِنَّهُ يُلْقَى مِنْهُمَا النَّوَى وَالنُّخَالَةُ وَبِهَذَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِي الزَّبِيبِ إلَّا صَاعٌ كَامِلٌ كَالشَّعِيرِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا رَوَى ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَيْلًا ثُمَّ الدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَلَا الدَّرَاهِمُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الْقِيمَةَ دَرَاهِمَ وَفُلُوسًا وَعُرُوضًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَلِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الدَّقِيقَ فَقَدْ أَسْقَطَ عَنْهُمْ الْمُؤْنَةَ وَعَجَّلَ لَهُمْ الْمَنْفَعَةَ وَمَا سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ أَوْ عَيْنِ الْمَنْصُوصِ قُلْت ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ أَدَاءَ الْقِيمَةِ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَقِيلَ الْمَنْصُوصُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ وَأَمَّا الْخُبْزُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ احْتَرَزَ بِالصَّحِيحِ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إذَا أَدَّى مَنَوَيْنِ مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مِنْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَمِنْ الْخُبْزِ أَجْوَزُ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ هُنَا إبْطَالَ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ) بِالْعِرَاقِيِّ أَيْضًا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ الصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَزْبُدٍ بِزَبَدِيِّ زُبَيْدٍ السُّنْقُرِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ زُبْدِيَّانِ وَنِصْفٌ بِالسُّنْقُرِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ وَعَلَى عَكْسِهِ مَنْ مَاتَ فِيهَا مِنْ مَمَالِيكِهِ أَوْ وَلَدِهِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَنَا لَا تَجِبُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ ثُمَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ يَدْخُلُ وَقْتُ وُجُوبِهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ وَقْتُ الْوُجُوبِ بِطُلُوعِهِ أَيْضًا وَلَا يَفُوتُ أَدَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّاهَا تَكُونُ أَدَاءً لَا قَضَاءً فَبَانَ لَك أَنَّهَا تَدْخُلُ ثُمَّ تَخْرُجُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ.
قَوْلُهُ: (فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ) لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وُجِدَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَمَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ كَانَ فَقِيرًا فَاسْتَغْنَى حِينَئِذٍ وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُسْلِمٌ غَنِيٌّ تَجِبُ فِطْرَتُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ فَأَنْت حُرٌّ فَجَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ عَتَقَ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ بِلَا فَصْلٍ وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ فِطْرَةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ نَذْرٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَلَوَاتٌ وَلَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ وَرَثَتُهُ بِذَلِكَ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ فَإِنْ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ يَجُوزُ وَيُنَفَّذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُشْرِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يُخْرِجُوا الْفِطْرَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلًّى) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَالْأَمْرُ بِالْإِغْنَاءِ كَيْ لَا يَتَشَاغَلَ الْفَقِيرُ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى «وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُخْرِجُهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى».
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَدَّمُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَاءٌ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.
وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ يَجُوزُ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ.
وَقَالَ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا) لِأَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ وَهُوَ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْمَالِ قُرْبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَالْفِطْرَةُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَبَاعَدَتْ وَكَذَا بِالِافْتِقَارِ إذَا افْتَقَرَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَهَلَاكُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَا يُسْقِطُهَا كَالْحَجِّ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ وَلَا نَقُولُ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَكِنْ يَنْتَقِلُ الْوُجُوبُ إلَى التَّصَدُّقِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِالْمَالِ فَقُرْبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ صَوْمُ رَمَضَانَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ لَازِمَةٌ لَهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الصِّغَارِ وَغَيْرِهِمْ مَعَ عَدَمِ الصَّوْمِ مِنْهُمْ فَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ الصَّوْمِ عَنْ الْبَالِغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ الصَّوْمِ):

إنَّمَا أَخَّرَهُ مَعَ أَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَقَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وَكَذَا فِي الْحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا» وَالصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَقُولِي إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أَيْ إمْسَاكًا عَنْ الْكَلَامِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَشَهْوَةِ الْفَرْجِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ ثُمَّ لِلصَّوْمِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وَصَوْمُ الْخُصُوصِ وَصَوْمُ خُصُوصِ الْخُصُوصِ فَصَوْمُ الْعُمُومِ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ وَصَوْمُ الْخُصُوصِ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ عَنْ الْآثَامِ وَصَوْمُ خُصُوصِ الْخُصُوصِ صَوْمُ الْقَلْبِ عَنْ الْهُمُومِ الدَّنِيَّةِ وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْكُلِّيَّةِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَعَالَى (الصَّوْمُ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ وَنَفْلٌ) وَفِي شَرْحِهِ الصَّوْمُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ صَوْمٌ مُسْتَحَقُّ الْعَيْنِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَصَوْمٌ فِي الذِّمَّةِ كَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصَوْمٌ هُوَ نَفْلٌ.
قَوْلُهُ: (فَالْوَاجِبُ مِنْهُ ضَرْبَانِ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى أَصْبَحَ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ).
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَنِصْفُهُ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا وَقْتُ الزَّوَالِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ النِّيَّةُ وَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا مِنْ اللَّيْلِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَقَدْ لَا يَسْتَبِينُ لَهُ الْفَجْرُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْفَجْرَ فَلِهَذَا جَازَ التَّقْدِيمُ وَكَمَا جَازَ التَّأْخِيرُ أَيْضًا فِيمَا كَانَ عَيْنًا مِنْ الصِّيَامِ دُونَ مَا كَانَ دَيْنًا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ وَلَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُغْمًى عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ أَيَّامٍ جَازَ صَوْمُهُ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَوَاهُ فِي لَيْلَتِهِ وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَوْمَ الْغَدِ لَمْ يَجُزْ وَإِذَا نَوَى مِنْ النَّهَارِ يَنْوِي أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ حِينِ نَوَى لَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا ثُمَّ النِّيَّةُ هِيَ مَعْرِفَتُهُ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَوْمٍ يَصُومُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا بِلِسَانِهِ فَيَقُولُ إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ فَرْضِ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ يَقُولُ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ فَرْضِ رَمَضَانَ.
وَلَوْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُبْطِلُ الْكَلَامَ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هَذَا لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبِ التَّوْفِيقِ مِنْ اللَّهِ فَلَا يَصِيرُ مُبْطِلًا لِلنِّيَّةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَمَلُ اللِّسَانِ فَيُبْطِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا وَأَمَّا النِّيَّةُ فَعَمَلُ الْقَلْبِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِاللِّسَانِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ اللِّسَانِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ نَوَى الْفِطْرَ لَمْ يَكُنْ مُفْطِرًا حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَكَذَا إذَا نَوَى التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَصَلَاتُهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَلَوْ نَوَى لَيْلًا ثُمَّ أَكَلَ لَمْ تَفْسُدْ نِيَّتُهُ وَلَوْ نَوَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضِ لَيْلًا ثُمَّ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهَا ثُمَّ إنَّمَا تَجُوزُ النِّيَّةُ قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ نَاسِيًا لَمْ تَجُزْ النِّيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالسُّحُورُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نِيَّةٌ ذَكَرَهُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ وَكَذَا إذَا تَسَحَّرَ لِصَوْمٍ آخَرَ كَانَ نِيَّةً لَهُ وَإِنْ تَسَحَّرَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصْبِحُ صَائِمًا لَا يَكُونُ نِيَّةً وَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ تَكْفِيهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ ثُمَّ صَوْمُ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقٍ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ.
قَوْلُهُ: (وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَاتِ فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) يَعْنِي مِنْ بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْحَلْقِ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانُ مُلْحَقَةٌ بِالْكَفَّارَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَالنَّفَلُ كُلُّهُ) يَعْنِي مُسْتَحَبَّهُ وَمَكْرُوهَهُ (يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) أَيْ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ) أَيْ يَجِبُ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسُوا هِلَالَ شَعْبَانَ أَيْضًا فِي حَقِّ إتْمَامِ الْعِدَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامُوا) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَإِنْ صَامَهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ صَامَهُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ وَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَنْ ذِمَّتِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يَكُونُ قَضَاءً بِالشَّكِّ وَأَمَّا صَوْمُهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ عَادَتُهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ كَمَا إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَصُومَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ فَوَافَقَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الشَّكِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَصُومَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصُومَهُ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَصُومَهُ الْخَوَاصُّ وَالْمُفْتُونَ وَيَأْمُرُونَ الْعَوَامَّ بِالتَّلَوُّمِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ الْإِفْطَارُ قَالُوا هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِفْطَارُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ كَانَ يَضَعُ كُوزًا فِيهِ مَاءٌ بَيْن يَدَيْهِ يَوْمَ الشَّكِّ فَإِذَا اسْتَفْتَاهُ مُسْتَفْتٍ شَرِبَ مِنْهُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُسْتَفْتِي وَيُرْوَى أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُهُ تَطَوُّعًا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا».
قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ) لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِمَا عَلِمَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا إذَا رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَجِبَ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ فِي رُؤْيَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَمْ يُفْطِرْ لِغَلَبَةِ الْخَطَأِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَيَجِبُ فَإِنْ أَكْمَلَ هَذَا الرَّجُلُ ثَلَاثِينَ لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَرَأَى مَا لَيْسَ بِهِلَالٍ فَظَنَّهُ هِلَالًا فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلِلِاحْتِيَاطِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ) (كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ) أَيْ غُبَارٌ أَوْ سَحَابٌ (قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) (رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا) وَإِطْلَاقُ هَذَا الْكَلَامِ يَتَنَاوَلُ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ إلَى الْقَاضِي وَفِي الْخُجَنْدِيِّ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ تُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَلَا تُقْبَلُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا حُكْمُ الْحَاكِمِ بَلْ الْعَدَالَةُ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ الْأَخْبَارَ حَتَّى لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَسَمِعَ رَجُلٌ شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَجَبَ عَلَى السَّامِعِ أَنْ يَصُومَ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ وَهَلْ يَسْتَفْسِرُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ إنَّمَا يُقْبَلُ إذَا فَسَّرَ بِأَنْ قَالَ رَأَيْته خَارِجَ الْمِصْرِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْبَلَدِ بَيْنَ خِلَالِ السَّحَابِ أَمَّا بِدُونِ التَّفْسِيرِ فَلَا يُقْبَلُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْبَلُ بِدُونِ هَذَا وَلَوْ تَفَرَّدَ وَاحِدٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ لَهَا قَاضٍ وَلَمْ يَأْتِ مِصْرًا لِيَشْهَدَ وَهُوَ ثِقَةٌ فَإِنَّ النَّاسَ يَصُومُونَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَآهُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْصِبَ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي وَحْدَهُ هِلَالَ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ وَلَا يُفْطِرُ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَيَقَّنَ أَفْطَرَ سِرًّا وَكَذَا غَيْرُ الْقَاضِي إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا فَإِنْ أَفْطَرَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ مَعَ الْغَيْمِ وَصَامُوا بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ هَلْ يُفْطِرُونَ فَعِنْدَهُمَا لَا يُفْطِرُونَ وَيَصُومُونَ يَوْمًا آخَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْطِرُونَ.
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ فَقَدْ أَفْطَرُوا إذْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ قَالَ إنِّي لَا أَتَّهِمُ الْمُسْلِمَ وَلَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَفْطَرُوا عِنْدَ إكْمَالِ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يَرَاهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْمٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ عَنْ مَوْضِعِ الْهِلَالِ فَيَتَّفِقُ لِلْوَاحِدِ النَّظَرُ وَقَوْلُهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ قَالَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ تَقْدِيرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِثْلُ الْقَسَامَةِ وَقِيلَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقِيلَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالَ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ}.
قَوْلُهُ: (وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا هُوَ حَدُّ الصَّوْمِ فَإِنْ قُلْت هَذَا الْحَدُّ يَنْتَقِضُ طَرْدًا وَعَكْسًا أَمَّا طَرْدًا فَفِي أَكْلِ النَّاسِي وَجِمَاعِهِ فَإِنَّ صَوْمَهُ بَاقٍ وَالْإِمْسَاكُ فَائِتٌ وَأَمَّا عَكْسًا فَهُوَ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ وَالصَّوْمُ فَائِتٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مَعْدُومٌ فِي النَّاسِي فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ الشَّرْعِيَّ مَوْجُودٌ فِي أَكْلِ النَّاسِي لِأَنَّ الشَّارِعَ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى اللَّهِ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ فَيَكُونُ الْفِعْلُ مَعْدُومًا مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ الْأَكْلُ فَلَا يَنْعَدِمُ الْإِمْسَاكُ وَأَمَّا الْجَوَابُ فِي الْحَائِضِ فَقَدْ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الْحَدِّ بِأَنْ يُقَالَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ النِّيَّةِ) لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ إلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي الشَّرْعِ لِيَتَمَيَّزَ بِهَا الْعِبَادَةُ مِنْ الْعَادَةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ لِلَّذِي أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا تِمَّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك بِخِلَافِ الْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ مَذْكُورَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ النِّسْيَانُ فِيهَا وَلَا مُذَكِّرَ فِي الصَّوْمِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ إذْ لَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجِزْهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ نَاسِيًا إذْ لَوْ أَكَلَ مُكْرَهًا أَوْ جُومِعَتْ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِ النَّائِمِ فَسَدَ صَوْمُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الْمُكْرَهِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ أَكَلَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا فَالْمُخْطِئُ هُوَ أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ كَمَا إذَا تَمَضْمَضَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَذَكَّرَهُ إنْسَانٌ فَقَالَ لَهُ إنَّك صَائِمٌ أَوْ هَذَا رَمَضَانُ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ النِّسْيَانَ ارْتَفَعَ حِينَ ذُكِّرَ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِأَنَّ نِسْيَانَهُ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ وَإِنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا هَلْ يَسْعَهُ أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إنْ رَأَى فِيهِ قُوَّةً يُمْكِنْهُ أَنْ يُتِمَّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ ذَكَرَهُ وَإِلَّا فَلَا.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ سَبَقَ الذُّبَابُ إلَى حَلْقِهِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَإِنْ تَثَاوَبَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ قَطْرَةٌ مِنْ الْمَطَرِ فَسَدَ صَوْمُهُ وَإِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارُ الطَّاحُونَةِ أَوْ غُبَارُ الْعَدَسِ وَأَشْبَاهُهُ أَوْ الدُّخَانُ أَوْ مَا سَطَعَ مِنْ غُبَارِ التُّرَابِ بِالرِّيحِ أَوْ بِحَوَافِرِ الدَّوَابِّ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَوْ رَمَى إلَى صَائِمٍ بِحَبَّةِ عِنَبٍ أَوْ غَيْرِهَا فَوَقَعَتْ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ وَقَوْلُهُ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ فَإِنْ ذَكَرَ فَنَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ فَبَقِيَ وَلَمْ يَنْزِعْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ خَشِيَ الْمَجَامِعُ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ فَأَمْنَى بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُفْطِرْ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ فَنَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُخَالِطٌ فَنَزَعَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِمَا لَا يُفْطِرُ.
وَقَالَ زُفَرُ فِيهِمَا يُفْطِرُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّاسِي لَا يُفْطِرُ وَفِي الْآخَرِ يُفْطِرُ وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ آخِرَ الْفِعْلِ يُعْتَبَرُ بِأَوَّلِهِ وَفِي الْفَجْرِ أَوَّلُهُ عَمْدٌ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ وَفِي النِّسْيَانِ أَوَّلُهُ مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا يَفْسُدُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ هَذَا يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيُسْتَثْنَى كَانْتِزَاعِ النَّاسِي بَعْدَ مَا تَذَكَّرَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ لَمْ يُفْطِرْ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ) سَوَاءٌ نَظَرَ إلَى الْوَجْهِ أَوْ إلَى الْفَرْجِ أَوْ إلَى غَيْرِهِمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ فَصَارَ كَالْمُتَفَكِّرِ إذَا أَمْنَى وَلَوْ أَصْبَحَ فِي رَمَضَانَ جُنُبًا فَصَوْمُهُ تَامٌّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَدْهَنَ لَمْ يُفْطِرْ) سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَ الدُّهْنِ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ احْتَجَمَ أَوْ اكْتَحَلَ) سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَ الْكُحْلِ أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَبَّلَ لَمْ يُفْطِرْ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى وَيَعْنِي بِالْمَعْنَى الْإِنْزَالَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ فَلَا يُعَاقَبُ بِهَا إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الْجِنَايَةِ نِهَايَتَهَا وَلَمْ تَبْلُغْ نِهَايَتَهَا لِأَنَّ نِهَايَتَهَا الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ وَإِنْ لَمَسَ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ إنْ وَجَدَ حَرَارَةَ الْبَدَنِ وَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَرَارَةَ الْبَدَنِ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ أَنْزَلَ إذَا كَانَ الْحَائِلُ ضَعِيفًا وَعَلَى هَذَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَوْ قَبَّلَتْ الصَّائِمَةُ زَوْجَهَا فَأَنْزَلَتْ أَفْطَرَتْ وَكَذَا إذَا أَنْزَلَ هُوَ وَإِنْ أَمَذَى أَوْ أَمَذَتْ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ وَإِنْ عَمِلَ امْرَأَتَانِ السَّحْقَ إنْ أَنْزَلَتَا أَفْطَرَتَا وَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ عَالَجَ ذَكَرَهُ بِيَدِ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ مَا لَمْ يَمَسَّهَا وَإِنْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ أَفْطَرَ إذَا أَنْزَلَ وَإِنْ أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ فَأَنْزَلَ لَا يُفْطِرُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ) (بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الْإِنْزَالِ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ) وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْقُبْلَةَ تُفْسِدُ الصَّوْمَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ قَاسَهُ عَلَى حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ} وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ {سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ كَرَيْحَانَةٍ أَحَدُكُمْ يَشُمُّهَا} وَأَمَّا الْقُبْلَةُ الْفَاحِشَةُ فَتُكْرَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِأَنْ يَمْضُغَ شَفَتَيْهَا وَالْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَالْقُبْلَةِ وَقِيلَ إنَّ الْمُبَاشَرَةَ تُكْرَهُ وَإِنْ أَمِنَ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ أَنْ يَمَسَّ فَرْجُهُ فَرْجَهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ) أَيْ سَبَقَهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ أَكْثَرَ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ بَعْدَ مَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ مِلْءَ الْفَمِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الصُّنْعَ ثُمَّ مِلْءُ الْفَمِ لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ وَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعَادَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْإِدْخَالِ وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ مِلْءَ الْفَمِ يُعَدُّ خَارِجًا وَمَا كَانَ خَارِجًا إذَا أَدْخَلَهُ جَوْفَهُ أَفْطَرَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الصُّنْعُ وَالثَّالِثَةُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ وَهُوَ الْإِدْخَالُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْمِلْءِ، وَالرَّابِعَةُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَعَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِوُجُودِ الْمِلْءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الصُّنْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ بِصُنْعِهِ وَلَا مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ وَلِأَنَّهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ خُرُوجِهِ فَكَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ عَوْدِهِ فَجُعِلَ عَفْوًا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ فِيمَا إذَا قَاءَ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ عَادَ بِنَفْسِهِ إنَّ صَوْمَهُ لَا يُفْسِدُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ فِيمَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ ثُمَّ أَعَادَهُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ ثُمَّ عَادَ بِنَفْسِهِ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الصُّنْعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْمِلْءِ وَإِنْ أَعَادَهُ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُفْطِرْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا مَلْءَ فِيهِ أَفْطَرَ) وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ دَاخِلًا وَلِهَذَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفْطِرُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ فَإِنْ عَادَ لَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ سَبْقِ الْخُرُوجِ وَلَا يَتَأَتَّى قَوْلُ مُحَمَّدٍ هَا هُنَا لِأَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ بِخُرُوجِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ صُورَةِ الْفِطْرِ وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ حُكْمًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ ابْتَلَعَ الْحَصَا أَوْ الْحَدِيدَ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِابْتِلَاعِ لِأَنَّ الْمَضْغَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ وَإِنَّمَا أَفْطَرَ لِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَعْنَى وَهُوَ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ غَيْرُ مَعْذُورٍ فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ هَا هُنَا أَظْهَرَ إذْ لَا غَرَضَ لَهُ فِي هَذَا الْفِعْلِ سِوَى الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا يَتَغَذَّى بِهِ قُلْنَا عَدَمُ دُعَاءِ الطَّبْعِ إلَيْهِ يُغْنِي عَنْ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ زَاجِرًا كَمَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي شُرْبِ الدَّمِ وَالْبَوْلِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَلَوْ ابْتَلَعَ نَوَاةً يَابِسَةً أَوْ قِشْرَ الْجَوْزِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ ابْتَلَعَ جَوْزَةً يَابِسَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَمْضُغَهَا حَتَّى يَصِلَ إلَى لُبِّهَا فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَكَلَ قِشْرَ الْبِطِّيخِ الْيَابِسِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ رَطْبًا طَرِيًّا فَقَدْ قِيلَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَكَلَ وَرَقَ الشَّجَرِ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ عِنَبٍ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ثُفْرُوقُهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجِبُ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ مَعَهَا هَكَذَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وَصَلَ تُفْرُوقُهَا إلَى الْجَوْفِ أَوَّلًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ وَصَلَ اللُّبُّ أَوَّلًا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ حِنْطَةٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ مَضَغَهَا فَلَا كَفَّارَةَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَامَعَ عَامِدًا فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَكَامِلَةٌ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ اعْتِبَارًا بِالِاغْتِسَالِ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ يَتَحَقَّقُ دُونَهُ وَإِنَّمَا هُوَ شِبَعٌ وَالشِّبَعُ لَا يُشْتَرَطُ كَمَنْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ تَمْرَةً تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشِّبَعُ كَذَلِكَ هَذَا وَإِنْ جَامَعَ مَيِّتَةً أَوْ بَهِيمَةً فَلَا كَفَّارَةَ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَإِنْ أَكْرَهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى الْجِمَاعِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَامَعَهَا مُكْرَهًا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ أَنَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ الِانْتِشَارِ وَاللَّذَّةِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَعِنْدَهُ يَزُولُ الْإِكْرَاهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وَالِانْتِشَارُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنْ أَكْرَهَهَا هُوَ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا إجْمَاعًا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِجِنَايَةٍ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَرْفَعُ الْمَأْثَمَ وَالْكَفَّارَةُ تَجِبُ لِرَفْعِ الْمَأْثَمِ وَلَا إثْمَ هَا هُنَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ابْتَدَأَ الْجِمَاعَ وَقَدْ نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا.
أَمَّا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ وَجَامَعَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ لَا يَجِبُ التَّكْفِيرُ بِالْإِفْطَارِ إذَا نَوَى الصَّوْمَ مِنْ النَّهَارِ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَالِاخْتِلَافُ يُورِثُ شُبْهَةً وَالْكَفَّارَةُ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ مُكْرَهَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فَإِنْ طَاوَعَتْهُ فِي وَسَطِ الْجِمَاعِ لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا لِأَنَّهَا طَاوَعَتْهُ بَعْدَمَا صَارَتْ مُفْطِرَةً وَلَوْ طَاوَعَتْ زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ حَاضَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا إذَا مَرِضَتْ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَسْقُطُ عَنْهَا وَكَذَا إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ مَرِضَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ سَافَرَ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ جَرَحَ نَفْسَهُ فَمَرِضَ مِنْهُ حَتَّى صَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ مَا يُتَغَذَّى بِهِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى هَذَا الْوَرَقُ الْحَبَشِيُّ وَالْحَشِيشَةُ وَالْقِطَاطُ إذَا أَكَلَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْبَدَنِ وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ وَيَنْقُصُ عَقْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَجِبُ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ.
وَلَوْ أَكَلَ قَوَائِمَ الذُّرَةِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْمَضَارَّ قَالَ الزَّنْدُوسِيُّ أَرَى أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّ فِيهِ حَلَاوَةً وَيَلْتَذُّ بِهِ كَذَا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي إيضَاحِهِ وَإِنْ أَكَلَ الطِّينَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا أَكَلَ الطِّينَ الْأَرْمَنِيَّ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَإِنْ أَكَلَ الْمِلْحَ إنْ كَانَ قَلِيلًا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ الْمَيْتَةِ إنْ كَانَ قَدْ صَارَ فِيهِ الدُّودُ وَأَنْتَنَ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ لَمْ يُدَوِّدْ وَلَمْ يُنْتِنْ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَتْ وَكُرِهَتْ لِأَجْلِ الشَّرْعِ لَا لِأَجْلِ الطَّبْعِ فَصَارَتْ كَأَكْلِ الطَّعَامِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَثْرُودِ بِمَرَقَةٍ نَجِسَةٍ وَإِنْ شَرِبَ دَمًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمًا نِيئًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ دَمٌ فَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا عَلَى الرِّيقِ أَوْ كَانَا سَوَاءً أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلرِّيقِ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُفْطِرُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ زُفَرُ يُفْطِرُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الظَّاهِرِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ.
وَأَمَّا إذَا أَخَرَجَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ إجْمَاعًا وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إنْ كَانَ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ فَمَا دُونَهَا قَلِيلٌ وَمَا فَوْقَهَا كَثِيرٌ وَلَوْ ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ تَنَاوَلَهَا مِنْ الْخَارِجِ وَابْتَلَعَهَا مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ أَفْطَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا تَجِبُ وَإِنْ مَضَغَهَا لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى وَلَا تَصِلُ إلَى حَلْقِهِ وَإِنْ ابْتَلَعَ لَحْمًا مَرْبُوطًا بِخَيْطِ ثُمَّ انْتَزَعَ الْخَيْطَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ وَإِنْ انْفَصَلَ الْخَيْطُ أَفْطَرَ وَإِنْ فَتَلَ الْخَيَّاطُ الْخَيْطَ وَبَلَّهُ بِرِيقِهِ ثُمَّ أَمَرَّهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فِي فِيهِ وَابْتَلَعَ ذَلِكَ الرِّيقَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا أَخْرَجَ رِيقَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ وَلَوْ سَالَ لُعَابُ الصَّائِمِ إلَى ذَقَنِهِ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ غَيْرُ نَائِمٍ فَابْتَلَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ لَا يُفْطِرُ.
قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) أَحَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الظِّهَارِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِرَارًا إنْ كَانَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كَفَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَيْنِ لَزِمَهُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَأَفْطَرَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثُمَّ فِي يَوْمٍ آخَرَ فَإِنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِلثَّانِي بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ كَفَتْهُ كَفَّارَةُ وَاحِدَةٌ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ عَلَى حِدَةٍ كَفَّرَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ بَيَانُهُ إذَا جَامَعَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى جَامَعَ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عُقُوبَةٌ تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّبْهَةُ فَجَازَ أَنْ تَتَدَاخَلَ كَالْحُدُودِ وَإِنْ جَامَعَ فَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ فَعَلَيْهِ لِلْجِمَاعِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى انْجَبَرَتْ بِالْكَفَّارَةِ الْأُولَى فَصَادَفَ جِمَاعُهُ الثَّانِي حُرْمَةً أُخْرَى كَامِلَةً فَلَزِمَهُ لِأَجْلِهَا الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا إذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ فِي سَنَةٍ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى جَامَعَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ جِمَاعٍ كَفَّارَةٌ فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّ لِكُلِّ شَهْرٍ حُرْمَةٌ عَلَى حِدَةٍ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ تَجْزِيه كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَى الصَّائِمِ الْكَفَّارَةُ فَسَافَرَ بَعْدَ وُجُوبِهَا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّ هَذَا الْعُذْرَ مِنْ قِبَلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) أَمَّا الْقَضَاءُ فَلِوُجُودِ الْجِمَاعِ مَعْنًى وَهُوَ الْإِنْزَالُ وَلَا كَفَّارَةَ لِانْعِدَامِهِ صُورَةً وَهُوَ الْإِيلَاجُ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي إفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ) لِأَنَّهُ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ وَالشَّهْرِ وَفِي غَيْرِهِ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ لَا غَيْرُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَوْجَرَ أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ أَقَطْرَ فِي أُذُنَيْهِ أَفْطَرَ) الْوَجُورُ صَبُّ الْمَاءِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الدَّوَاءِ فِي الْفَمِ وَقَوْلُهُ احْتَقَنَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ وَهُوَ صَبُّ الدَّوَاءِ فِي الدُّبُرِ فَإِنْ أَوْجَرَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ طَائِعًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَعَطَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الصُّورَةِ يَعْنِي فِي الْحُقْنَةِ وَالسَّعُوطِ وَقَوْلُهُ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنَيْهِ يَعْنِي الدَّوَاءَ وَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ الدُّهْنِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ رَطْبٍ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) الْجَائِفَةُ الْجُرْحُ فِي الْجَوْفِ وَالْآمَّةُ الْجُرْحُ فِي أُمِّ الرَّأْسِ وَهُوَ الدِّمَاغُ وَقَوْلُهُ بِدَوَاءٍ رَطْبٍ بِخِلَافِ الْيَابِسِ.
وَفِي الْمُصَفَّى الِاعْتِبَارُ بِالْوُصُولِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُ الرَّطْبِ لَا يُفْطِرُ وَلَوْ عَلِمَ وُصُولَ الْيَابِسِ أَفْطَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْطِرُ) إذَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الْمَثَانَةِ أَمَّا إذَا بَقِيَ فِي الْقَصَبَةِ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا وَلَوْ أَقْطَرَ فِي قُبُلِ الْمَرْأَةِ تُفْطِرُ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ ذَاقَ شَيْئًا بِفِيهِ لَمْ يُفْطِرْ) لِعَدَمِ الْمُفْطِرِ صُورَةً وَمَعْنًى.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ عَلَى الْفَسَادِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ الذَّوْقِ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَمَّا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ يُبَاحُ لِلْعُذْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ تَعْرِيضٌ عَلَى الْإِفْطَارِ فَإِذَا كَانَ الْإِفْطَارُ فِيهِ يَجُوزُ لِلْعُذْرِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مَكْرُوهًا وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ التَّرَشُّشُ بِالْمَاءِ وَالِاسْتِنْقَاعُ فِيهِ وَصَبُّهُ عَلَى الرَّأْسِ وَالِالْتِحَافُ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الضَّجَرِ بِالصَّوْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَذَا يُكْرَهُ لَهُ الْمَضْمَضَةُ لِغَيْرِ الْوُضُوءِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَفِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ».
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ بِالْعَشِيِّ وَسَوَاءٌ كَانَ السِّوَاكُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا أَوْ مَبْلُولًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُكْرَهُ الْمَبْلُولُ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْضُغَ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ إذَا كَانَ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا صَغِيرٌ أَوْ حَائِضٌ أَوْ طَعَامٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَضْغِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) صِيَانَةً لِلْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُفْطِرُ إذَا خَافَتْ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَضْغُ الْعِلْكِ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى الْفَسَادِ وَهَذَا إذَا كَانَ أَبْيَضَ مُلْتَئِمًا لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمَّا إذَا كَانَ أَسْوَدَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا لَا يَتَفَتَّتُ وَالْعِلْكُ هُوَ الْمَصْطَكَى وَقِيلَ اللِّبَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْكُنْدُرُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَخَافَ إنْ صَامَ ازْدَادَ مَرَضُهُ أَفْطَرَ وَقَضَى) الْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ أَنْ تَزْدَادَ حُمَّاهُ شِدَّةً بِالصَّوْمِ أَوْ عَيْنَاهُ وَجَعًا أَوْ رَأْسَهُ صُدَاعًا أَوْ بَطْنَهُ اسْتِطْلَاقًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ يُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَكَذَا إذَا كَانَ إذَا صَامَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْبُرْءُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَإِنْ بَرِيءَ مِنْ الْمَرَضِ وَبَقِيَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ أَثَرِهِ فَخَافَ إنْ صَامَ يَعُودُ عَلَيْهِ الْمَرَضُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّ الْخَوْفَ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ وَإِنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ إنْ صَامَ صَلَّى قَاعِدًا وَإِنْ أَفْطَرَ صَلَّى قَائِمًا فَإِنَّهُ يَصُومُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رُفْقَتُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ أَمَّا إذَا كَانُوا مُفْطِرِينَ أَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ لِمُوَافَقَتِهِ الْجَمَاعَةَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَفْطَرَ وَقَضَى جَازَ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَجُعِلَ نَفْسُهُ عُذْرًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخِفُّ بِالصَّوْمِ فَشُرِطَ كَوْنُهُ مُفْضِيًا إلَى الْمَشَقَّةِ ثُمَّ السَّفَرُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْشَأَ السَّفَرَ فِيهِ حَتَّى إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ بَعْدَمَا أَصْبَحَ صَائِمًا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَرِضَ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ صَائِمًا لِأَنَّ السَّفَرَ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ وَالْمَرَضُ عُذْرٌ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَكَذَا مَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَمَاتَا لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ) وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ صَحَّ يَوْمًا وَاحِدًا لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَأَمَّا إذَا قَالَ الصَّحِيحُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ قَدْ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعْوِيضُهَا بِالْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَنَفْسُ الْوُجُوبِ مُؤَجَّلٌ إلَى حِينِ الْقُدْرَةِ فَبِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ يَظْهَرُ الْوُجُوبُ وَقَوْلُهُ لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ هَذَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ وَلَمْ يَصُمْ مُتَّصِلًا بِصِحَّتِهِ أَمَّا لَوْ صَامَ مُتَّصِلًا بِصِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ.
قَوْلُهُ: (وَقَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَقَّهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لَكِنَّ الْمُتَابَعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ جِنْسَ الصِّيَامَاتِ كُلِّهَا أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةٌ مُتَتَابِعَةٌ وَأَرْبَعَةٌ إنْ شَاءَ تَابَعَهَا وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهَا وَثَلَاثَةٌ لَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ فَالْأَرْبَعَةُ الْمُتَتَابِعَةُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ فِدْيَةِ الْحَلْقِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ وَصَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّتِي غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ ثَبَتَتْ مُتَتَابِعًا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلَّذِي وَاقَعَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ {صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ وَصَوْمُ النَّذْرِ وَجَبَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ مُعَيَّنٌ وَمُطْلَقٌ فَالْمُعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا وَيُعَيِّنُهُ أَوْ صَوْمُ أَيَّامٍ يُعَيِّنُهَا فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ سَوَاءٌ ذَكَرَ التَّتَابُعَ أَوْ لَا فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ قَضَاهُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَأَمَّا الْمُطْلَقُ إنْ ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِيهِ لَزِمَهُ وَكَذَا إذَا نَوَاهُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ اسْتَقْبَلَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّتَابُعَ وَلَمْ يَنْوِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ آخَرُ صَامَ رَمَضَانَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَضَاءُ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَخَّرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَانَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا) وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِرْضَاعِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَأَمَّا الْأُمُّ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ لِأَنَّهَا إذَا امْتَنَعَتْ فَعَلَى الْأَبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ) الْفَانِي الَّذِي قَرُبَ إلَى الْفِنَاءِ أَوْ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ وَكَذَا الْعَجُوزُ مِثْلُهُ.
فَإِنْ قُلْت مَا الْحَاجَةُ إلَى قَوْلِهِ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ قَدْرَ الْإِطْعَامِ قُلْت يُفِيدَانِ الْإِبَاحَةَ بِالتَّغْذِيَةِ وَالتَّعْشِيَّةِ وَالْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَالتَّقْيِيدُ بِقَضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ غَيْرُ شَرْطٍ بَلْ يُشَارِكُهُ كُلُّ صَوْمٍ يَجِبُ قَضَاؤُهُ كَالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ فَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَلِيُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالصَّلَاةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الصِّيَامِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكُلُّ صَلَاةٍ بِانْفِرَادِهَا مُعْتَبَرَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ لِصَلَوَاتِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضٌ عَلَى حِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْوَتْرُ صَلَاةٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ وَأَوْصَى أَنْ يُطْعِمُوا عَنْهُ لَهَا فَأَعْطَوْا فَقِيرًا وَاحِدًا جُمْلَةً ذَلِكَ صَارَ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهُمَا قَضَاهُمَا) سَوَاءٌ حَصَلَ الْإِفْسَادُ بِصُنْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ حَتَّى إذَا حَاضَتْ الصَّائِمَةُ تَطَوُّعًا يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ أَبْصَرَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيُبَاحُ لِلْعُذْرِ وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ إلَى الْعَصْرِ وَأَمَّا لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ فَلَيْسَتْ الضِّيَافَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ عُذْرًا وَلَوْ أَفْطَرَ الْمُتَطَوِّعُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَقْضِيَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِشَهْوَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ {قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ وَهُوَ أَنْ يُصْبِحَ الرَّجُلُ صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ عَلَى طَعَامٍ يَشْتَهِيه} قَالَ فِي الْإِيضَاحِ إذَا صَامَ تَطَوُّعًا وَدَعَاهُ بَعْضُ إخْوَانِهِ إلَى طَعَامِهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْطِرَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ أَفْطَرَ لِحَقِّ أَخِيهِ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ صِيَامِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمَتَى قَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ صِيَامِ أَلْفَيْ يَوْمٍ».
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا أَنَّهُ إنْ كَانَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقَضَاءِ يُفْطِرُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي تَرْكِ الْإِفْطَارِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَمَّا إذَا كَانَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَدَعَاهُ بَعْضُ إخْوَانِهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُكْرَهُ أَنْ تَصُومَ الْمَرْأَةُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنْ يَصُومَا تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى كَيْفَ مَا كَانَ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَإِنْ صَامَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُفْطِرَ الْمَرْأَةَ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُفْطِرَ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ أَوْ مَاتَ وَيَقْضِي الْعَبْدُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ أَعْتَقَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الزَّوْجَةِ مِنْ ذَلِكَ وَلَهَا أَنْ تَصُومَ وَإِنْ نَهَاهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْنَعُهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى مَنْعَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا مِلْكُهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) وَهَلْ الْإِمْسَاكُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ مُسْتَحَبٌّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الصَّفَّارُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَوْ أَفْطَرَا فِيهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَصَامَا بَعْدَهُ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالْأَهْلِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْضِيَا مَا مَضَى مِنْهُ وَلَا يَوْمَهُمَا) لِعَدَمِ الْخِطَابِ ثُمَّ قَوْلُهُ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا إنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ فَالْإِمْسَاكُ لَا غَيْرُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَفِي الصَّبِيِّ إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ كَانَ تَطَوُّعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْكَافِرِ إذَا نَوَى لَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) يَعْنِي بِالنَّهَارِ (لَمْ يَقْضِ الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ) لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ إذْ الظَّاهِرُ وُجُودُهَا مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَضَى مَا بَعْدَهُ) لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ فِيهِ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ إلَى آخِرِهِ قَضَاهُ كُلَّهُ إلَّا يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ وَمَنْ جُنَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلِّهِ لَمْ يَقْضِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ قَضَى مَا مَضَى مِنْهُ) لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ وَالْأَهْلِيَّةُ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَفْطَرَتْ وَقَضَتْ) وَكَذَا إذَا نَفِسَتْ وَهَلْ تَأْكُلُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا قِيلَ سِرًّا وَقِيلَ جَهْرًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّشَبُّهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) هَذَا إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ مَا نَوَى لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِلشُّبْهَةِ وَأَمَّا الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ وَنَوَتْ لَمْ يَكُنْ صَوْمًا لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا لِوُجُودِ الْمُنَافِي فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَالصَّوْمُ لَا يَتَجَزَّأُ وَقَوْلُهُ أَمْسَكَا أَيْ عَلَى الْإِيجَابِ هُوَ الصَّحِيحُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ وَإِنَّمَا لَمْ تَتَشَبَّهْ الْحَائِضُ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ مِنْ التَّشَبُّهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يُرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) فَقَوْلُهُ يُرَى بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ الرَّأْيِ لَا مِنْ الرُّؤْيَةِ أَيْ يَظُنُّ ظَنَّا غَالِبًا قَرِيبًا مِنْ الْيَقِينِ حَتَّى لَوْ كَانَ شَاكًّا أَوْ أَكْثَرَ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ إذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يُرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَمْسَةَ أَحْكَامٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَالثَّانِي أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْأَدَاءَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} وَهَذَا إذَا أَفْطَرَ وَهُوَ يَظُنُّ ظَنًّا غَالِبًا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ أَمَّا إذَا كَانَ شَاكًّا فِي الْغُرُوبِ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَكَلَ حَيْثُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لِلْفِطْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَاكًّا فِي الْغُرُوبِ فَأَفْطَرَ فَإِنَّ إفْطَارَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ فَكَانَ مُتَيَقِّنًا لِلنَّهَارِ شَاكًّا فِي اللَّيْلِ، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَافْتَرَقَا.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إقَامَةَ السُّنَّةِ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْإِفْطَارِ سُنَّةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّحُورَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً » السُّحُورُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي وَقْتِ السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الْحَدِيثِ إضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَإِنَّ فِي أَكْلِ السُّحُورِ بَرَكَةً وَالْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ فِي أَدَاءِ الصَّوْمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ نَيْلُ الثَّوَابِ لِاسْتِنَانِهِ بِأَكْلِ السُّحُورِ بِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ وَعَمَلِهِ بِمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فَرْقُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلُ السُّحُورِ».
قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ) فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُفْطِرُ سِرًّا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يُقْبَلْ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا غَيْرَ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ عِبَادَةٍ فَيُحْتَاطُ فِيهَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُقُوقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الدِّينِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يُقْبَلْ) فِي هِلَالِ الْفِطْرِ (إلَّا شَهَادَةُ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.